فصل: مسألة يبيع أثوابا كل ثوب بدينار إلا درهما وإلا درهمين ثم يجعل ذلك دنانير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أخذ بدرهمه بنصفه لحما وبنصفه درهما صغيرا:

ومن كتاب البيوع الأول:
وسئل مالك عمن أخذ بدرهمه بنصفه لحما وبنصفه درهما صغيرا.
فقال: قد كنا نكرهه وما نرى اليوم به بأسا، قيل له: أرأيت إن كان بمصر فأخذ بنصفه فلوسا وبنصفه درهما صغيرا؟ فقال: ما أحبه، ولو أخذ حنطة ما رأيت به بأسا.
قال محمد بن رشد: أما البلد الذي لا فلوس فيه فجائز للرجل أن يأخذ فيها بنصف درهمه أو أكثر طعاما أو عرضا وبالباقي فضة أو درهما صغيرا، وقد كان مالك يكره ذلك أولا على ما ذكر في هذه الرواية.
وأما في البلد الذي فيه الفلوس ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يجوز للرجل أن يأخذ فيها أيضا بنصف درهمه أو أكثر طعاما أو عرضا وفلوسا وبالباقي فضة، وهو قوله في المدونة، والثاني قوله في هذه الرواية إنه يجوز له أن يأخذ بنصفه أو أكثر طعاما وبالباقي فضة، والثالث قول أشهب أنه لا يجوز له شيء من ذلك كله في البلد الذي فيه الفلوس، فالقول الأول استحسان مراعاة للخلاف، إذ من أهل العلم وهم أهل العراق من يجيز شراء الذهب والعروض بالذهب والورق والعروض بالورق فيما قل أو كثر من غير ضرورة، ويجعلون الذهب التي مع العرض بمثل ذلك من الذهب الآخر وباقيها للعرض ولا يقولون في ذلك بالفض كانت الذهبان مستويتين في الطيب والسكة والصياغة أو غير مستويتين في شيء من ذلك، ووجه القول الثاني مراعاة ضرورة الناس وحاجتهم إلى الطعام، بخلاف الفلوس، وقول أشهب هو القياس على المذهب لأن ذلك إنما أجيز للضرورة، فإذا كان بلد فيه فلوس ارتفعت الضرورة.

.مسألة أعطي دراهم وقيل له صرفها بدنانير فلما أراد أن يبيعها صرفها من نفسه:

وسئل مالك عمن أعطي دراهم وقيل له: صرفها بدنانير، فصار بها إلى الصراف فلما أراد أن يبيعها صرفها من نفسه ثم جاءه بالدنانير فأعلمه بالذي كان.
فكرهه وقال: ما ذلك بحسن، أرأيت لو قال: لا أجيزه أليس ذلك له؟ فقد صار هذا صرفا فيه استخيار.
قال محمد بن رشد: قد خفف ذلك مالك في رواية أشهب عنه من كتاب البضائع والوكالات، وقال ابن أبي حازم: وما كان الناس يشددون هذه الشدة، وإنما كرهه لهذه الرواية لما ذكره من أن صاحب الدراهم في ذلك بالخيار بين أن يجيز الصرف أو يرده، والخيار في الصرف لا يجوز، ووجه القول الثاني أنه خيار لم ينعقد عليه الصرف، وإنما هو خيار يوجبه الحكم، فلم يكن له تأثير في فساد العقد كالعبد يتزوج بغير إذن سيده، والسفيه بغير أمر وليه، فيكون سيد العبد وولي السفيه بالخيار في رد النكاح وإجازته والخيار في النكاح لا يجوز.

.مسألة احتاج إلى عشرة دراهم فيسلفها من رجل ورهن عنده رهنا دينارا:

وسئل عمن احتاج إلى عشرة دراهم فيسلفها من رجل ورهن عنده رهنا دينارا لا يذكر له صرفا، حتى إذا كان من الغد صارفه. فقال: أكره أن يصارفه ولكن يعطيه دراهمه ويأخذ ديناره.
قال محمد بن رشد: إنما كره مالك من أجل أن ترك الدينار عنده كالإطماع له أن يصرفه منه، ولعله قد نوى ذلك منه، فكأنه قد وعده به، والعدة في الصرف مكروهة، فإذا لم ينو ذلك ولا قصده ولا أراده، وإنما صرفه منه بنية حدثت له في تصريفه منه لم تتقدم منه وقت تركه عنده، لم يكن عليه في تصريفه منه حرج إن فعله، وإن كان الاختيار له ألا يفعل لاسيما إن كان ممن يقتدى به.

.مسألة له على رجل عشرة دراهم مكتوبة عليه من صرف عشرين بدينار:

وسألته عمن له على رجل عشرة دراهم مكتوبة عليه من صرف عشرين بدينار أو خمسة دراهم من صرف عشرة دراهم بدينار، فقال: أرى أن يعطيه نصف دينار ما بلغ كان أقل من ذلك أو أكثر إذا كانت تلك العشرة دراهم أو الخمسة المكتوبة عليه من بيع باعه إياه، فأما إن كانت من سلف أسلفه فلا يأخذ منه إلا مثل ما أعطاه.
فقيل له: أرأيت إن باعه ثوبا بثلاثة دراهم ولا يسمي له من صرف كذا وكذا، والصرف يومئذ تسعة دراهم بدينار.
قال: إذا لم يقل من صرف كذا وكذا أخذ بالدراهم الكبار ثلاثة دراهم، وإنما قال بثلاثة دراهم من صرف كذا وكذا بدينار فذلك جزء من الدينار ارتفع الصرف أو خفض، وقد كان بيع من بيوع أهل مصر يبيعون الثياب بكذا وكذا درهما من صرف كذا وكذا بدينار، فيسألون عن ذلك كثيرا فهو كذا.
قال محمد بن رشد: هذا كما ذكر وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا باع بكذا وكذا درهما ولم يقل من صرف كذا فله عدد الدراهم التي سمى ارتفع الصرف أو اتضع، وإذا قال بكذا وكذا درهما من صرف كذا وكذا فلا تكون له الدراهم التي سمى؛ إذ لم يسمها إلا ليبين بها الجزء الذي أراد البيع به من الدينار، فله ذلك الجزء، وكذلك إذا قال: أبيعك بنصف دينار من ضرب عشرين درهما بدينار، فإنما له عشرة دراهم إذ لم يسم نصف الدينار إلا ليتبين به الدراهم التي أراد البيع بها من الدينار، وسيأتي هذا في سماع رسم يحيى.

.مسألة يبيع أثوابا كل ثوب بدينار إلا درهما وإلا درهمين ثم يجعل ذلك دنانير:

وسئل عن رجل يبيع أثوابا كل ثوب بدينار إلا درهما وإلا درهمين ثم يجعل ذلك دنانير يكتبها عليه إلى أجل.
فقال: لا يصلح هذا ولا خير فيه، هذا صرف إلى أجل ولكن يكتب عليه كذا وكذا دينارا إلا كذا وكذا درهما، ويحسب ذلك عليه قبل أن يبايعه ثم يبايعه عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها إجمال وبينها مسألة ما وقع في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، وفي كتاب محمد قال: ومن ابتاع فيه خمسة عشرة جلدا كل جلد بدينار إلا درهما إلى أجل، ثم تحاسبا أو لم يتحاسبا لكثرة الدراهم بينهم فلا خير في هذا البيع قال محمد: تحاسبا أو لم يتحاسبا لكثرة الدراهم في المؤجل، قال مالك: ولو قطعوا صرف الدراهم قبل العقد ووقعت الصفقة بدنانير معلومة جاز ذلك نقدا ومؤجلا، قال محمد: مثل أن يقولوا: إن وقع بيننا بيع بدراهم فبيعوها كذا وكذا بدينار، فهو الجائز وإلا لم يجز نقدا ولا إلى أجل؛ لأنه صرف وبيع إلا في دراهم يسيرة، قال محمد: فإذا وقع البيع بينهم على أن يتقاضى من الدنانير فيما اجتمع من الدراهم المستثنيات بسوم سمياه فإنه فيما تبايعا به إن لم يفضل من الدراهم بشيء بعد المقاصة مثل أن يكون باع منه ستة عشر ثوبا كل ثوب بدينار إلا درهم على أن يحسب الدراهم بينهما ستة عشر درهما جاز كان البيع نقدا أو إلى أجل؛ لأن البيع إنما ينعقد إلى أجل بينهما على هذه الخمسة عشر دينارا، وكذلك إن فضل بعد المقاصة درهم أو درهمان؛ لأنه يجوز أن يبيع الرجل السلعة بدينار إلا درهم وإلا درهمين على أن يتعجل السلعة ويتأخر الدينار والدرهم أو الدرهمان إلى أجل واحد، وأما إن فضل بعد المحاسبة من الدراهم الكثيرة فيجوز البيع إن كان نقدا، ولا يجوز إن كان إلى أجل..
إن لم يقع البيع بينهما على شرط المحاسبة فيجوز إن كانت الدراهم المستثناة في الصفقة الدرهم والدرهمين نقدا أو إلى أجل ويجوز إن كانت الدراهم المستثناة كثيرة دون صرف دينار إن كان البيع نقدا، ولا يجوز إن كان إلى أجل، ولا يجوز إن كانت الدراهم المستثناة أكثر من صرف دينار كان البيع نقدا أو إلى أجل على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في أن البيع والصرف لا يجوز إلا فيما كان أقل من صرف دينار ولا ينتفع بالمحاسبة بعد البيع إذا لم يقع البيع بينهما على ذلك، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.كتاب الصرف الثاني:

.اشترى تبرا أو قراضة أو نقرا أو سبيكة بدراهم فوجد في الدراهم درهما زائفا:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: قال ابن القاسم: من اشترى تبرا أو قراضة أو نقرا أو سبيكة بدراهم فوجد في الدراهم درهما زائفا رد من ذلك بقدر الدرهم، ينظر إلى الذهب فيقسم على عدة الدراهم، ثم يرد بقدر ما أصاب الدرهم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه يمكن أن يرد من الذهب ما يجب للدرهم الزائف؛ إذ ليس بمسكوك، ولو كان مسكوكا لانتقض صرف دينار، إلا أن يكون الزائف أكثر مما يجب لدينارين فينتقض صرف دينارين دينارين، ثم ما زاد على هذا القياس، قال ابن دحون: ولو اجتمع في الشراء النقد والسبائك والقراضة والتبر، ثم وجد درهما زائفا لانتقض الكل؛ لأنا نحتاج أن نوزع الأثمان على هذه الأصناف لو لم ينقصه، وللمتبايعين أن يتداعيا في أي صنف من هذه الأصناف يقع الفسخ، فلابد من فسخ الكل. وليس قوله بصحيح، إذ لا مانع يمنع أن يفسخ من كل صنف بحساب الدرهم الرديء، وإنما يفسخ الكل بوجود درهم زائف إذا اشترى دنانير مختلفة أو أصنافا من الحلي، أو إذا كان ما يجب من الدراهم لدينار من الدنانير فيه كسر من درهم؛ مثال ذلك: أن تصرف عشرة مثاقيل قائمة بمائة درهم وخمسة دراهم قائمة، فتجد فيها درهما زائفا، فإن الصرف كله ينتقض؛ إذ لا يمكن أن يرد بعض درهم في صرف الدينار، كما لا يمكن أن يرد بعض دينار في صرف الزائف.

.مسألة دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين فمطله:

وسئل: عن رجل دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين، فمطله فاسترد دراهمه، فقال: ما هي عندي، ولكن خذ عشرة، وأخرني بالأخرى شهرا، ففعل، فلم يجد عنده إلا ثمانية، فأعطاه بالدرهمين الباقيين تبرا. فقال: إن كان ذلك بعد الإيجاب وكان ذلك صلحا قد وجب ومضى، حتى لو أراد أن يرجع فيه لم يكن ذلك له فلا بأس به، وإن كانت مراوضة فلا خير فيه. وقال أبو زيد: عن ابن القاسم مثله.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن كما قال، أما إن كان ذلك بعد وجوب الصلح وتمامه، فهو جائز؛ لأنه أخذ من العشرة التي وجبت له نقدا ثمانية، وصارفه في الدرهمين بعد أن ثبت التأخير ووجب في العشرة الأخرى، فلم يكن فيه وجه من الفساد، وأما إذا كان ذلك في المراوضة فيدخله من الفساد أنه صارفه بالدرهمين على أن أخره بالعشرة، وذلك لا يجوز «لنهي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عن بيع وسلف»، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري النقرة من ورق جزافا بعشرة دنانير، فيجد في النقرة مسمار رصاص:

ومن كتاب استأذن سيده في تدبير جارية:
وسألته: عن الرجل يشتري النقرة من ورق جزافا بعشرة دنانير، فيجد في النقرة مسمار رصاص، قال: ينظر كم وزن النقرة بمسمار رصاص، ثم ينظر كم وزن المسمار، فإن كان وزنها بالمسمار مائة درهم ووزن المسمار درهم، وكانت الدنانير قائمة، انتقض صرف دينار واحد، وإن كانت مجموعة، انتقض صرف دينار من أدنى ما يكون من دنانيره المجموعة.
قلت: فلو أن رجلا قال لرجل أبيعك هذه النقرة وفيها مائة درهم بعشرة دنانير، كل دينار بعشرة دراهم، ثم وجد في النقرة مسمار رصاص، هل هو سواء؟
وماذا ينتقض منها وليس في المسمار إلا درهم؟ قال: هذان الوجهان سواء، قد صار ثمن الدينار فيها عشرة دراهم، فإذا كان المسمار وزن درهم، فأرى أن ينتقض دينار منها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه؛ لأن المسمار الموجود في النقرة المبيعة بدنانير، كالدرهم الزائف يوجد في صرف الدنانير، فيرد المسمار وتمام صرف دينار واحد من النقرة وينتقض صرف دينار واحد، كما يرد الدرهم الزائف وتمام صرف دينار واحد من الدراهم، وينتقض صرف دينار واحد لا أكثر، إلا أن يكون الزائف أكثر من صرف دينار فينتقض صرف دينارين، ثم ما زاد على هذا القياس، ولا فرق في تفريق النقرة والدراهم بالدنانير بين أن يسمى ما يقع لكل دينار من ذلك، أو يسكت عنه، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى سوارين فوجد رأس واحد منهما من نحاس:

قلت: فلو أن رجلا اشترى سوارين، فوجد رأس واحد منهما من نحاس؟ قال: يردهما جميعا. قلت: فلو كان اشترى أزواج أسورة فوجد في زوج منها نحاسا؟ قال: يردها كلها ولو كانت مائة زوج. قلت: فلو فات بعضها وبقي بعضها في يديه فوجد فيما بقي منها عيبا؟ قال: يرد ما بقي بالقيمة. قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا اشترى سوارين فوجد رأس واحد منهما من نحاس، أنه يردهما جميعا، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن كل ما هو زوجان لا ينتفع بأحدهما دون صاحبه كالخفين، والنعلين، والسوارين، والقرطين، فوجود العيب بأحدهما كوجوده بهما جميعا.
وأما قوله إذا اشترى أزواج أسورة فوجد في واحد منها نحاسا، أنه يردها كلها ولو كانت مائة زوج، فهو صحيح إذا لم تكن مستوية، وأمكن أن تختلف فيها الأغراض، وأما إن كانت مستوية أثمانها سواء لا يمكن أن تختلف فيها الأغراض؛ فإنه يرد الذي وجد فيه النحاس مع صاحبه بما ينوبه من الثمن ولا يرد الجميع، وعلى هذا يحمل ما في سماع أبي زيد، فلا يكون ذلك اختلافا من القول.
وأما قوله: إن فات بعضها وبقي بعضها في يديه، فوجد فيما بقي في يديه عيبا، أنه يرد ما بقي بالقيمة، ففيه نظر؛ لأن القياس كان إذا كان ينتقض الصرف كله إذا كانت قائمة، أن ينتقض أيضا إذا فات بعضها، فيرد ما بقي وقيمة ما فات ويرجع بجميع الدراهم، إلا أن هذا يأتي على ما حكى عبد الحق عن بعض شيوخه فيمن اشترى عبدين فهلك أحدهما وألفى الآخر معيبا، أنه يرد المعيب بحصته من الثمن، وإن كان وجه الصفقة، إن كلف أن يرد قيمة الهالك، رد عينا وأخذ عينا، فلم يكن في ذلك فائدة، بخلاف إذا كان الثمن عرضا، والقياس أن يرد المعيب وقيمة الهالك ويرجع بجميع الثمن؛ لأن الصفقة قد وجب ردها كلها بوجود العيب في أرفع العبدين، فلا يمضي التغابن في الذي فات منهما على من كان وقع عليه، فقد يكون قيمته أكثر مما ينوبه من الثمن، فيكون من حجة البائع أن يأخذ القيمة ويرد الثمن؛ لئلا يمضي التغابن عليه، إذ قد وجب أن تنقض الصفقة كلها، وقد تكون قيمته أقل مما ينوبه من الثمن، فتكون حجة المبتاع أن يرد القيمة ويأخذ الثمن، لئلا يمضي التغابن عليه أيضا، إذ قد وجب نقض الصفقة كلها، وكذلك مسألة الأسورة على هذا القياس، وبالله التوفيق.

.مسألة صرف عند صراف دنانير فوزنها عند غيره فوجدها وهي تنقص:

ومن كتاب العرية:
وعن رجل صرف عند صراف دنانير فوزنها عند غيره فوجدها وهي تنقص، فرجع إلى الصراف، فقال الصراف: والله ما أدري لعل في موازيني شيئا، فذهب معه الصراف إلى حيث وزنها فوجدها تنقص ما ذكر له، تم أخرج الصراف أيضا الدنانير فوزنها أيضا عنده، فإذا هي لما وزنها تنقص مثل نقصان الدراهم. قال ابن القاسم: إن كانت الدنانير مجموعة انتقض من الصرف بقدر ما نقصت.
قال محمد بن رشد: قوله فإذا هي كما وزنها تنقص مثل نقصان الدراهم، يريد: أنه نقص من الذهب زنة ما نقص من الدراهم، فوجب أن ينتقض من الصرف تمام ما يجب لما نقص من الذهب، مثال ذلك: أن يكون صرف ثلاثة دنانير بأربعة وعشرين درهما، فنقص من الدراهم ربع درهم ومن الذهب ثمن مثقال وهو ربع درهم، فيرجع الصراف على الذي صارفه بثلاثة أرباع درهم؛ لأن ثمن المثقال الذي نقصه من الذهب يجب له درهم، عنده منه ربع درهم في نقصان الدرهم، فيرجع عليه بالباقي. وهذا إن كانت الدراهم مجموعة، وأما إن كانت قائمة فلابد من انتقاض جميع الصرف، إلا أن تكون الدنانير مجموعة مقطوعة فينتقض منها ما يجب لتمام درهم، فيرد إليه درهما ويأخذ منه ما وجب لربع الدرهم الذي رده إليه- زائدا على ما وجب عليه فيما نقص ذهبه، وذلك حبتان وربع حبة من ذهب.
فقوله: إن كانت الدنانير مجموعة انتقض من الصرف بقدر ما نقصت، كلام وقع على غير تحصيل، وصوابه: إن كانت الدراهم مجموعة انتقض من الصرف بحساب ما نقصت. وحمل ابن أبي زيد هذه المسألة على أنه أراد بقوله فإذا هي لما وزنها تنقص مثل نقصان الدراهم، أي: أنها تنقص مثل ما يجب لما نقص من الدراهم. فقال: في هذه المسألة نظر، ولا ينتقض من الصرف شيء؛ لأن ما نقص من الذهب نقص جزاؤه من الدراهم بذلك الميزان، فلم يبق لأحدهما على الآخر شيء، والله الموفق.

.مسألة دراهم الخريطة إذا كانت مختلطة سودا ويزيدية فاشتراها كلها بسوم واحد:

ومن كتاب سلف دينارا:
وسئل: عن دراهم سود ودراهم يزيدية مختلطة في خريطة واحدة، وإحداهما ثلاثة وعشرون بدينار، والأخرى اثنان وعشرون بدينار، فقال: أنا آخذها منك كلها بعضها على بعض اثنين وعشرين، اثنين وعشرين بدينار، قال: لا خير فيه؛ لأنه خطار يتخاطران فلا خير فيه حتى يعرف كم في كل واحدة من صاحبتها، قيل له: فإن عرف كم في إحداهما ولم يعرف كم في الأخرى، قال: لا خير فيه حتى يعرف كم فيهما جميعا.
قال محمد بن رشد: هذا بين، على ما قال: إن دراهم الخريطة إذا كانت مختلطة سودا ويزيدية، ولا يعلم مبلغ جملتها فشراؤها كلها بسوم واحد غرر، وإن عرف ما فيها من السود إذا لم يعرف ما فيها من اليزيدية أو ما فيها من اليزيدية إذا لم يعرف ما فيها من السود حتى يعرف ما فيها من السود ومن اليزيدية، وذلك في التمثيل إذا لم يعرف ما في واحدة منهما، كشراء صبرة حنطة وصبرة شعير بكيل واحد، وإذا عرف ما في واحدة منهما ولم يعلم ما في الأخرى، كشراء مدي قمح وصبرة شعير كل قفيز بدرهم، وأما شراء دراهم الخريطة كلها ما بلغت إذا كانت صفة واحدة يزيدية أو سود بسوم واحد عشرة دراهم بدينار أو أقل أو أكثر مما يتفقان عليه، فهو جائز على مذهب مالك في إجازة شراء الصبرة على الكيل، خلاف قول عبد العزيز بن أبي سلمة، ويدخل في ذلك عند مالك من الكراهة ما دخل في مسألة رسم من حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم في الذي يشتري بالدرهم فيقول: كله وأعطني بما فيه، وقد مضى القول على ذلك هناك.

.مسألة اشترى من رجل جبنا بدرهم قائم فوزن الدرهم فلم يجد فيه إلا درهما إلا حبتين:

ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار:
وسئل: عن رجل اشترى من رجل جبنا بدرهم قائم فوزن الدرهم فلم يجد فيه إلا درهما إلا حبتين، فقال: خذ من الجبن تمام الدرهم، قال: هذا حرام لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول رسم القبلة من سماع ابن القاسم، ومضت أيضا في رسم المحرم منه، فلا معنى لإعادته.

.مسألة عليه نصف دينار لرجل فيقول خذ نصف دينار في دينك والنصف سلف:

ومن كتاب أسلم وله بنون صغار:
وسئل: عن رجل يكون عليه نصف دينار لرجل فيأتيه بدينار فيقول خذ نصفه في دينك، والنصف أسلفكه في سلعة كذا وكذا إلى أجل كذا. فقال: لا بأس بهذا، وليس هذا صرفا وبيعا، إنما هو قضاء وبيع.
قال محمد بن رشد: جواز هذه المسألة إنما هو على القول في مراعاة ما ثبت في الذمة؛ لأنه قضاء ما ثبت له فيها من الذهب وأسلفه باقي المثقال في سلعة، فجاز ذلك، وعلى القول في مراعاة ما يوجبه الحكم في القضاء لا يجوز؛ لأنه أخذ منه نصف مثقال ذهبا فيما يجب له من الدراهم بالحكم، على أن أسلفه النصف الآخر في سلعة، فدخله ذهب بدراهم وسلعة إلى أجل، وذلك مما لا يجوز ولا يحل، وقد مضى القول في هذه المسألة ونظائرها مستوفى في رسم أوله تسلف في المتاع من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة راطل رجلا دنانير بذهب فذهب عني فوجد في دنانيره دينارا مغشوشا:

ومن كتاب أوله حمل صبيا على دابته:
قال ابن القاسم: أرأيت إن راطلت رجلا دنانير بذهب، فذهب عني فوجدت في دنانيره دينارا مغشوشا، هل تنتقض المراطلة بيننا أو أرد الدينار وآخذ وزنه ذهبا؟ قال: بل ترد الدينار وتأخذ وزنه ذهبا.
قال محمد بن رشد: يريد بقوله دنانير بذهب، أي دنانير بتبر ذهب، فإذا وجد دينارا رديئا رد إليه زنته من التبر ولم تنتقض المراطلة، ولو راطله دنانير بحلي ذهب فوجد في دنانيره دينارا مغشوشا لانتقض الجميع، وكذلك لو راطله دنانير بدنانير مخالفة لها في الوزن أو في الوزن والعين، فوجد فيها دينارا رديئا لانتقض جميع المراطلة؛ إذ لا يمكن أن يرد الدينار المغشوش ويأخذ وزنه من الدنانير الآخر، إذ لا تنقسم ولا تتبعض، وهذا كله بين على معنى ما في المدونة وغيرها.

.مسألة يكون له على الرجل الدنانير القائمة:

ومن كتاب حبل حبلة:
وقال في الرجل يكون له على الرجل الدنانير القائمة: إنه لا يصلح أن يتقاضى كسر دينار ذهبا ويتقاضى بالبقية دراهم، مثل أن تكون له عشرة دنانير قائمة فيتقاضى منه تسعا ونصفا ذهبا، ويتقاضى بالنصف دراهم، فهذا لا يحل ولا يصلح، وإنما يجوز هذا في الدنانير المجموعة إذا كانت لك على رجل؛ لأنه يجوز لك أن تتقاضى منه النصف والثلث والثلثين؛ لأن المجموعة مقطوعة، فكل ما كان لا يجوز لك أن تأخذ منه مجموعا فلا يجوز لك أن تأخذ منه كسر ذهب ودراهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة وقد مضى القول فيها في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم، ومضت أيضا في رسم صلى نهارا من السماع المذكور، وفي أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادة ذلك. ولما لم يجز أن يقتضي من القائمة مجموعة أكثر من عددها، وكان إذا فعل ذلك قد باع القائمة بالمجموعة بزيادة عدد المجموعة على عدد القائمة لفضل عينها، لم يجز أن يأخذ بالدينار القائم نصفا ذهبا ونصفا دراهم؛ لأنه إذا فعل ذلك كان قد باع الدينار القائم الباقي له من العشرة بذهب وورق، فحرم ذلك ولم يجز.

.مسألة كان له على رجل ألف دينار مجموعة:

قال: وإذا كان لك على رجل مجموعة فلا بأس أن تأخذ منه قائمة بعددها؛ لأن القائمة أوزن من المجموعة. قال: ولو كان له على رجل ألف دينار مجموعة، فلا بأس أن يأخذ منها ألف دينار إلا دينارا قائمة، انظر أبدا إن لم تشك أن عدد القائمة أكثر وزنا من عدد كيل المجموعة التي عليه، فلا بأس أن يأخذ من عدد القائمة ما لا شك فيه أنه أكثر وزنا من المجموعة وإن اختلف العددان، وإن كان بغير وزن، وقاله أصبغ كله، والوزن أجل وأحسن يدخل في الوزن ما دخل، وإن كان أقل عددا فلا بأس به كما لو دخل فيه أكثر.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى منصوصة في المدونة فلا وجه للقول فيها.

.مسألة قاضى الرجل من الرجل يكون عليه الدينار القيراط والقيراطين دراهم:

قال عيسى: قال ابن القاسم: ولا بأس أن يتقاضى الرجل من الرجل يكون عليه الدينار القيراط والقيراطين دراهم؛ لأنه جزء معلوم من الدينار.
قال محمد بن رشد: يريد أنه لا بأس أن يأخذ الرجل من الرجل يكون له عليه الدينار صرف قيراط أو صرف قراطين دراهم، ويبقى له عليه دينار إلا قيراطا وإلا قيراطين، ثم يجوز له أن يأخذ منه في بقية ديناره دراهم أو عرضا أو طعاما، ولا يجوز له أن يأخذ منه بالباقي ذهبا، قاله في المدونة. وهذا في الدينار القائم، وأما في الدينار المجموع فيجوز له أن يأخذ منه ببعضه ذهبا وببقيته ورقا في مجلسين باتفاق، وفى مجلس واحد على اختلاف، وقد مضى ذلك في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم.

.مسألة حكم بيع الفلوس مراطلة وفي العدد اختلاف:

ومن كتاب النسمة:
وسئل: عن الفلوس مراطلة وفي العدد اختلاف، قال: هذا حرام لا يحل، ولا يجوز أحد هذا من أهل العلم؛ لأن جواز الفلوس بعيونها وإن كان بعضها أثقل من بعض، فأحدهما يخاطر صاحبه، ولو جاز أن يباع الفلوس بالفلوس مراطلة، لجاز أن تباع الفلوس مراطلة بالدراهم والدنانير ولا يدري ما يدخل في عددها فهو غرر، وقد «نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الغرر».
وسئل: عن الرجل يشتري رطل فلوس بدرهم أو رطل دراهم بدينار، لم لا يجيزه مالك، بين لي. قال ابن القاسم: أما الفلوس فلا خير فيه، وأما الورق فإن كان الرطل وزنا معروفا بمنزلة هذه الحديدة التي قد ضربت وجعلت للناس معيارا في وزنهم، فلا بأس به، وإن كانوا يعرفون ما يدخل فيه من دراهم ولم تجر معرفته بين الناس حتى تكون مثل هذه الحديدة فلا خير فيه، وقاله أصبغ أيضا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة في المعنى مثل ما في المدونة، أما الفلوس فإنما تجوز عددا وهو العرف، فالانتقال عن المعروف فيها من العدد إلى الوزن لا يجوز؛ لأنه غرر؛ كما أن ما العرف فيه أن يباع وزنا من جميع الأشياء، فلا يجوز أن يباع كيلا، وما العرف فيه أن يباع كيلا فلا يجوز أن يباع وزنا، وهذا منصوص عليه في المدونة وغيرها، فلا تجوز المراطلة فيها ولا بيعها بالوزن، وأما بيع الدراهم بالرطل، فكما قال: إن كان الرطل يعلم كم فيه من درهم فهو جائز، وإلا لم يجز.